في تقرير له هذا الأسبوع حول “مشكلة الإنتاجية” حذر صندوق النقد الدولي من أن ضعف الإنتاجية في الاقتصادات المتقدمة يشكل عائقاً أمام النمو الجيد يضاف إلى عوامل أخرى. ومع أن الصندوق لم يغير من توقعاته لمعدلات النمو الاقتصادي العالمي التي صدرت ضمن تقريره نصف السنوي خلال يوليو (تموز) الماضي، إلا أنه أوضح تباين معدلات النمو بين الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة وأوروبا والنمو المعقول نسبياً في الاقتصادات الصاعدة.
وأوضح تحليل للصندوق أن تباطؤ نمو الإنتاجية في المصانع مسؤول عن نصف التباطؤ في نمو الاقتصاد العالمي منذ الأزمة المالية العالمية عامي 2008 و2009. ومع تراجع الإنتاجية على مدى العقدين الأخيرين فإن “عقداً آخر من ضعف الإنتاجية يمكن أن يضر بشدة بمستويات المعيشة وبالاستقرار الاجتماعي والمالي”.
وفي الوقت نفسه، أنهى المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مشاورات المادة الرابعة مع الرياض، مؤيداً توجه السياسات الاقتصادية والمالية للسعودية ومطالباً بالاستمرار فيها، ومشيراً إلى أنه على رغم تقلبات أسعار النفط التي قد تنال نسبياً من معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي فإن استمرار نمو القطاع غير النفطي في السعودية بقوة يعادل ذلك التراجع.
الإنتاجية الأميركية
ركز التقرير على أكبر اقتصاد في العالم بالولايات المتحدة، مشيراً إلى استمرار تباطؤ نمو الإنتاجية منذ مطلع القرن الحالي. ففي الفترة من 1947 إلى 2005 كان موسط نمو الإنتاجية بمعدل سنوي في أميركا عند 2.3 في المئة. أما على مدى العقدين الأخيرين فقد انخفض معدل نمو إنتاجية العاملين إلى 1.3 في المئة كمتوسط سنوي.
قد يبدو الفارق في معدل نمو إنتاجية العاملين الأميركيين غير كبير جداً، لكن حسب مكتب إحصاءات العمل الأميركي فإن تلك مشكلة توازي عدة تريليونات من الدولارات. فلو أن كل ساعة عمل في الاقتصاد الأميركي حققت نمو إنتاجية بنسبة الـ2.3 في المئة في ما بين عامي 2005 و2018 لكان ما أنتجته الولايات المتحدة من السلع والخدمات خلال تلك الفترة حقق زيادة إضافية بقيمة 11 تريليون دولار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما الوضع في أوروبا فهو أسوأ من الولايات المتحدة حيث يتباطأ نمو الإنتاجية بوتيرة أكبر، مما جعل دول الاتحاد الأوروبي تأتي متأخرة عن الولايات المتحدة في مقياس نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.
وتعد الإنتاجية من أهم عوامل توسع النشاط الاقتصادي، أي النمو في الناتج المحلي الإجمالي بنهاية الأمر. وربما لا يقتصر تأثير تراجع نمو الإنتاجية في الاقتصادات المتقدمة فحسب، بل قد يمتد ذلك الأثر إلى الاقتصادات الصاعدة والنامية، أي يضر بالنمو الاقتصادي العالمي كله.
ويحدد تقرير صندوق النقد الدولي عاملين مهمين وراء تراجع نمو الإنتاجية في العالم، أولهما أن تطبيقات تكنولوجيا المعلومات المتقدمة ساعدت الأعمال والشركات الكبرى على حساب الأعمال الصغيرة والشركات الناشئة. والثاني هو خفض نمو السكان في الدول المتقدمة والتغيرات الديموغرافية التي قللت من وتيرة الابتكار في مجال الأعمال والشركات.
السياسات الاقتصادية السعودية
في الوقت نفسه، توقع صندوق النقد الدولي في بيان له أمس الأربعاء أن يصل نمو القطاعات غير النفطية في اقتصاد السعودية إلى 4.4 في المئة على المدى المتوسط عقب تراجعه خلال عام 2024، وأرجع الصندوق ذلك إلى نمو قوة الطلب المحلي مع تسارع معدلات تنفيذ المشروعات. وأضاف بيان الصندوق أنه من المتوقع أن يسهم الإلغاء التدريجي لخفوض إنتاج النفط في تعزيز النمو الكلي ليصل إلى 4.7 في المئة خلال عام 2025، قبل أن يبلغ متوسطه 3.7 في المئة سنوياً بعد ذلك. وتوقع أن يظل التضخم قيد السيطرة مدعوماً بصدقية نظام ربط سعر الصرف بالدولار الأميركي واتساق السياسات المحلية، كذلك توقع تسجيل عجز في الحساب الجاري، وهو ما يعكس في الأساس تراجع أسعار النفط وقوة الواردات المرتبطة بالاستثمار.
صدر بيان صندوق النقد الدولي عقب اختتام المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي مشاورات المادة الرابعة مع السعودية. وأشار البيان إلى أن خفض إنتاج النفط ضمن اتفاق “أوبك+” لضبط توازن السوق، أدى إلى “انكماش النمو بنسبة 0.8 في المئة خلال عام 2023، بينما سجل إجمال الناتج المحلي غير النفطي نمواً هائلاً بلغ 3.8 في المئة، مدعوماً في معظمه بالاستهلاك الخاص والاستثمارات غير النفطية”.
وذكر الصندوق في بيانه أن معدل البطالة “بلغ أدنى مستوياته على الإطلاق في السعودية، بينما ظلت معدلات مشاركة المرأة في القوى العاملة أعلى كثيراً من نسبة 30 في المئة المستهدفة في إطار رؤية 2030”. وأضاف أن “الاقتصاد السعودي لم يشهد أية انعكاسات كبيرة حتى الآن نتيجة الأحداث الجيوسياسية الحالية”. أما بالنسبة إلى التضخم فذكر التقرير أنه بلغ ذروته مسجلاً 3.4 في المئة خلال يناير (كانون الثاني) 2023، ثم تراجع على أساس سنوي مقارن إلى 1.6 في المئة خلال مايو (أيار) الحالي، مدعوماً بارتفاع سعر الصرف الفعلي الاسمي.
وحسب بيان صندوق النقد سجل فائض الحساب الجاري السعودي تراجعاً كبيراً ليصل إلى 3.2 في المئة من إجمال الناتج المحلي عام 2023، مما يعكس بالأساس خفض صادرات النفط وقوة نمو الواردات المرتبطة بالاستثمار. لكنه أضاف أنه أمكن التخفيف جزئياً من هذه العوامل بفضل الفائض غير المسبوق في رصيد الخدمات، بما في ذلك زيادة قدرها 38 في المئة في صافي الدخل من السياحة، كما أن لا تزال الاحتياطات وفيرة تغوي 15.8 شهر من الواردات.
ونوه صندوق النقد الدولي بقوة القطاع المصرفي السعودي، مبيناً أن اختبارات القدرة في شأن تحمل الضغوط التي أجريت في إطار برنامج تقييم القطاع المالي تشير إلى قدرة البنوك والشركات غير المالية على الصمود في مواجهة الصدمات، حتى في ظل السيناريوهات شديدة السلبية. وأن نمو الائتمان المصرفي وبخاصة لقطاع الشركات ما زال يتجاوز نمو الودائع.
نقلاً عن : اندبندنت عربية