التخطي إلى المحتوى

يتجدد النقاش بشدة داخل المغرب هذه الأيام بخصوص قرب إجراء تعديل حكومي جزئي أو موسع لمناسبة “الدخول السياسي والاجتماعي” الجديد في البلاد، والذي عادة ينطلق في سبتمبر (أيلول) الجاري وأكتوبر (تشرين الأول) المقبل، بعد انتهاء العطلة الصيفية.

ويرى كثير من المراقبين أن التعديل الحكومي المرتقب صار “ضرورة سياسية” من أجل إرساء حلول مستدامة لمشكلات باتت تؤرق المواطن المغربي من قبيل الارتفاع الفاحش للأسعار والاحتكار، وتزايد مؤشرات الفقر والهشاشة وتنامي التهديدات المناخية وغيرها من القضايا.

حصيلة مرضية

وفي وقت تلتزم مكونات الحكومة وأحزابها الثلاثة، “التجمع الوطني للأحرار” الذي يقود السفينة الحكومية، و”الأصالة والمعاصرة” و”الاستقلال”، الصمت حيال أي توجه نحو إجراء تعديل حكومي، تتقارب المؤشرات السياسية نحو إعلان هذا التعديل خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

وتنتظر الحكومة ملفات ساخنة على رأسها الاحتقان الاجتماعي الناجم عن موجة ارتفاع الأسعار في المواد الاستهلاكية والخدمات، علاوة على الاحتجاجات القوية التي تمارسها فئات اجتماعية من قبيل احتجاجات طلبة كليات الطب والصيدلة وغيرها.

وترى الحكومة المغربية أنها خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة من ولايتها حققت كثيراً من المكاسب والمنجزات الاجتماعية والاقتصادية، لعل أهمها ورش الحماية الاجتماعية ودعم الفئات الفقيرة وتطوير مؤشرات الاقتصاد.

وتدافع الحكومة عن حصيلتها التي تجدها “مرضية وإيجابية” في كثير من القطاعات، ولا سيما أنها أتت في سياق محلي وعالمي معقد اتسم بموجة وباء كورونا والتداعيات الخطرة التي نجمت عنه، وأيضاً في سياق توالي أعوام الجفاف وارتفاع معدلات التضخم.

في المقابل تقر الحكومة نفسها بوجود مشكلات بنيوية مقلقة مثل أزمة الماء التي اعترفت أعلى السلطات في البلاد باستفحالها وأخطارها الحالية والمستقبلية على المغاربة، كما أنها تواجه تصاعد الاحتجاجات الاجتماعي الفئوية، مما يربك سير عدد من القطاعات الحيوية مثل الصحة والتعليم وغيره.

مسوغات التعديل الحكومي

وفي هذا الصدد يعلق المتخصص في العلوم السياسة والقانون الدستوري لحبيب استاتي زين الدين قائلاً إن “التعديل الحكومي ظل لازمة سياسية تتكرر في المغرب على غرار مختلف الأنظمة السياسية التي ينظم الدستور ممارسة السلطة فيها، لكن تختلف دلالاته من نظام سياسي إلى آخر، كما تتباين استعمالاته من مرحلة زمنية إلى أخرى لدوافع عدة”.

وتابع زين الدين أن “هذه الدوافع تتأرجح بين الأثر الإيجابي مثل الرغبة في إحداث تغيير معين في طريقة عمل الحكومة أو خلق دينامية جديدة في العمل السياسي ككل، أو الطابع السلبي مثل التعبير عن عدم الرضا أو العقاب بالنسبة إلى من سجل في حقه التأخر في إنجاز البرامج أو خانته القدرة على التخطيط السليم بعيد المدى، أو اتخذ المسؤولية الوزارية طريقاً لتحقيق مصالحه الشخصية”.

وبالنسبة إلى المغرب يرى استاتي أن التعديل الحكومي يقرأ من زاويتين، سواء تأخر التعديل أو تم الإسراع بتنفيذه، فمن زاوية أولى فإن معظم الحكومات التي تعاقبت على المغرب كان الملك يمارس صلاحيته في إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة من مهماتهم، كما هو الحال بعد إقرار دستور2011، بإجراء التعديل في اللحظة التي يراها مناسبة ودالة، سواء اتخذ القرار بمبادرة منه بعد استشارة رئيس الحكومة أو بطلب من هذا الأخير تطبيقاً للفصل الـ 47 من الدستور.

ومن زاوية ثانية يردف المحلل عينه أنه “يبدو أن هذا المقتضى الدستوري يخضع لاعتبارات وقواعد يصعب فهم أبعادها وتوقع تاريخها حتى لو اجتمعت كل الأسباب الموجبة لذلك أو غابت نسبياً في بعض الحالات”.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وذهب المتحدث إلى أن “التعديل الحكومي المرتقب سيظل مفتوحاً على جميع التكهنات والسيناريوهات، وأنه قد لا يخلو من مفاجئات في ظل نظام سياسي راكم خبرة كافية في تدبير الاختيارات وذكاء في توظيف آليتي الاستقطاب والتحييد”.

وأضاف أنه توجد مسوغات عدة لإجراء التعديل الحكومي وفي مقدمها ضرورة إيجاد حلول مستدامة لمشكلة ارتفاع الأسعار والاحتكار وتنامي التهديدات المناخية، وما يترتب عنه من تزايد مؤشرات الفقر والهشاشة على رغم الجهود الحكومية المبذولة.

واستدرك استاتي بأنه إذا كان التغيير سيتم للحفاظ على الوضع القائم أو إدامته وحسب، فإنه يفضل ترك الفريق الحكومي بجميع أعضائه ليسهل الحكم في نهاية الولاية الحكومية الحالية على نجاحها في مهمتها أم تعثرها في تنفيذ الالتزامات التي تعهدت بها الأحزاب المشكلة لها.

حقائب وزارية مهددة

من جانبه قال الأكاديمي في جامعة مراكش محمد نشطاوي إن الحديث عن قرب إجراء تعديل حكومي يأتي وسط موجة احتقان اجتماعي وموجة غلاء مست كثيراً من الخدمات والمجالات.

وأفاد نشطاوي أن ارتفاع أسعار المحروقات كان ولا يزال السبب الرئيس لموجة الغلاء التي لا تعتبر ظاهرة مستوردة، بل هي مشكلة ناجمة عن أسباب داخلية، فضلاً عن إكراهات اقتصادية واجتماعية معقدة أخرى، مثل الاحتكار وتواطؤ ما سماها “لوبيات” في كثير من القطاعات، بدءاً من المحروقات ومروراً بالتأمين وانتهاء باللحوم والاتصالات.

واستناداً إلى هذا الواقع الاجتماعي والاقتصادي يكمل المحلل قوله إن “التعديل الحكومي المرتقب سيأتي ليحاول تغيير وجوه وزارية في حقائب ذات الصلة بتلك المشكلات والملفات، بمعنى قطاعات الفلاحة والتجارة والسياحة وغيرها.”

وزاد نشطاوي حقائب إضافية قد يشملها التعديل الحكومي، أولها وزارة العدل بسبب “الخرجات الإعلامية” للوزير الوصي على هذا القطاع التي نالت كثيراً من الانتقادات، وثانيها وزارة التعليم العالي بسبب مسلسل الشد والجذب بين الوزير وآلاف الطلاب في كليات الطب، إذ بات يتهدد مسارهم الدراسي.

والحقيبة الثالثة، وفق تحليل نشطاوي، وزارة التربية الوطنية جراء التوترات القائمة إلى اليوم مع فئات الأساتذة وغيرهم، فضلاً عن الحاجة إلى تخصيص وزارة للرياضة قائمة بذاتها وغير ملحقة بوزارة التربية الوطنية، بالنظر إلى الاستحقاقات الرياضية الكبرى التي ستحتضنها البلاد مثل “كأس أفريقيا 2025″ و”كأس العالم 2030.”

“ملف أزمة الماء حاضر بقوة في هاجس التعديل الحكومي المرتقب”، وفق نشطاوي الذي أشار إلى أنه “يتعين إحداث وزارة خاصة لتدبير هذا الملف على حدة، بهدف تجاوز هذا الإشكال وتفادي شبح العطش في كثير من مناطق المملكة”.

يذكر أن الحكومة المغربية تتألف من ثلاثة أحزاب وهي “التجمع الوطني للأحرار” الذي يمتلك ستة حقائب وزارية إضافة إلى رئاسة الحكومة، وحزب “الأصالة والمعاصرة” بسبعة حقائب وزارية، ثم حزب “الاستقلال” بأربعة حقائب وزارية.

نقلاً عن : اندبندنت عربية