التخطي إلى المحتوى

تخيل معي أنك تمتلك قدرة خارقة لفك شيفرات عقول من حولك، وأنك تستطيع قراءة مشاعرهم وتفسير سلوكهم، مما يُمكّنك من اتخاذ قرارات أفضل وأفعال أبلغ. الإدراك الاجتماعي ليس بعيدًا عن ذلك! حيث يدعونا للغوص في أعماق العلاقات الإنسانية، وتحويل السلوكيات الغامضة للآخرين إلى رؤية واضحة لنا. ولكن ما هو الإدراك الاجتماعي بالضبط؟

الإدراك الاجتماعي هو عملية دمج وتحليل وتفسير المعلومات التي حصلنا عليها عن الآخرين للوصول إلى فهم أدق لسلوكهم. فمثلًا لاحظت أن أحد مرؤوسيك المميزين يُقدم عمله مؤخرًا بجودة منخفضة، مما يتطلب منه عمل تعديلات بما يناسب مع المطلوب. هنا تُدرك أن هناك شيئًا ما حصل لهذا الموظف أثّر على جودة أدائه. وكمدير فعّال تواصلت معه لمعرفة سبب ذلك، وكيف يمكنك المساهمة في حله. هنا نجد في هذا المثال أن الإدراك الاجتماعي يساعدك في ثلاث مراحل: تكتشف أن هناك شيئًا قد تغيّر، وَيُمَكِّنُكَ من معرفة السبب الخفي وراء هذا التغيّر، وماذا يُمكنك فعله حيال ذلك. وهنا نلاحظ أن في هذه المراحل الثلاث تتغير فيها إدراكك للمعلومات. وهذا التحليل العميق يقودنا إلى استفسار جوهري، وهو: لماذا من المهم تطوير مهارة الإدراك لدينا وتطبيقه في عملنا؟

تطوير مهارة الإدراك يعتبر أمرًا مهمًا للعمل بكفاءة أعلى في بيئة العمل، وذلك لعدة أسباب منها: 1. التواصل الفعّال مع الآخرين: يساعد الإدراك على فهم المشاعر الحقيقية للآخرين وما وراء السلوك، وبالتالي تكون ردة الفعل بناءً على ذلك. ففي المثال الذي ذكرناه، فإنك تواصلت مع الموظف عندما أدركت أن هناك سببًا خفيًا وراء انخفاض مستوى جودة مخرجاته، ولم تطلب منه رفع مستوى جودة مخرجاته دون أن تعرف سبب انخفاضه. 2. تحسين القدرة على اتخاذ القرارات: الإدراك يساعدنا على فهم الأشخاص بشكل دقيق، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات بشكل صحيح. في نفس المثال الذي ذكرناه، فإنك اتخذت القرار الصحيح في محاولة فهم الموظف وما يمر به مؤثرات خارجية، بدلًا من الحكم عليه بالإهمال والكسل وبالتالي اتخاذ قرار غير صائب بلومه أو توبيخه. وهنا نشير إلى إحدى الدراسات التي نشرت في عام 2010 بعنوان «Social Class, Contextualism, and Empathic Accuracy» للباحثين: Michael Kraus و Stéphane Côté و Dacher Keltner توضح هذه الدراسة كيف أن مستوى الإدراك الاجتماعي وقدرة الأفراد على فهم وتفسير مشاعر الآخرين بدقة يمكن أن يُحسّن من جودة العلاقات في بيئة العمل، وبالتالي يؤدي إلى تواصل أفضل مع الآخرين وتحسين القدرة على اتخاذ قرارات مستنيرة.

تلخيصًا لما سبق، الإدراك الاجتماعي هو بالفعل مهارة حيوية وقدرة خارقة على تفسير السلوكيات الغامضة وفهم المشاعر العميقة. تعتمد هذه العملية المستمرة على دمج وتحليل وتفسير المعلومات حول الأفراد. من خلال الإدراك، يمكن التواصل بشكل فعّال مع الآخرين، وتحسين القدرة على اتخاذ القرارات. كما تُظهر الدراسات أن الإدراك الاجتماعي يؤدي إلى تحسين جودة العلاقات بين الموظفين في العمل، مما يؤدي إلى نجاح أكبر للمنظمة، لذلك من الضروري تطوير هذه المهارة في حياتنا العملية، بل في حياتنا اليومية. إن تنمية مهارة الإدراك الاجتماعي تُعد استثمارًا ضروريًا لتعزيز الأداء الفردي والجماعي في مختلف المجالات. أخيرًا، لنجعل الإدراك الاجتماعي سلاحنا في بناء أفراد متواصلين ومجتمع متماسك ووطن متقدم. فبفهم الآخرين نرتقي بأنفسنا، وبالتواصل الفعال نبني جسور النجاح لأنفسنا ولوطننا. وهنا نختتم بأن نسأل أنفسنا: هل نحن مستعدون لتطوير هذه المهارة القوية وتطبيقها في حياتنا اليومية؟

نقلاً عن : عكاظ