التخطي إلى المحتوى

بعد الطوابير الطويلة أمام محطات توزيع البنزين والوقود وأمام المحال التجارية، تعود الطوابير مرة أخرة للمدن الليبية وكأن قدر المواطن الليبي ألا يفارق سياسة الاصطفاف في الطوابير، ولكن هذه المرة أمام المصارف وموزعات الأوراق المالية، على ندرتها حتى وسط العاصمة طرابلس.

الحكومة الليبية أعلنت الإثنين الماضي صرف رواتب 2.5 مليون موظف حكومي عن شهر أغسطس (آب) الماضي، لكن من دون توزيع السيولة النقدية اللازمة على المصارف والبنوك بسبب ما بات يعرف بأزمة المصرف المركزي، وتغيير مجلس الإدارة والمحافظ من قبل المجلس الرئاسي، ورفض مجلس النواب والدولة القرار وتوقف إنتاج البترول في الحقول الليبية، مما شكل أزمة حقيقية تفاقمت خلال الفترة الأخيرة.

بدوره أعلن مصرف ليبيا المركزي مباشرة تنفيذ صرف رواتب المواطنين عن أغسطس الماضي لجميع القطاعات العامة في الدولة وعلى كامل التراب الليبي اعتباراً من بداية الشهر الحالي.

وأورد المصرف في بيان أن “هذه الخطوة تأتي بعدما بدأت إدارات المصرف كافة وتيرتها الاعتيادية في العمل، وأعادت تشغيل الأنظمة التي أوقفت من قبل الإدارة السابقة”.

ونوه المصرف المركزي إلى أن القطاع المصرفي الليبي بالكامل عاد لعمله بالوتيرة الطبيعية، وأن إدارة المصرف الجديدة ستعمل على تطوير القطاع المصرفي وتحسين أدائه لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين، لكن المراقبين أكدوا أن بيان المركزي لا يعدوا كونه رسالة طمأنة للمواطنين والمؤسسات، في خطوة تهدف إلى الحد من حال القلق والحيرة حول الوضع المالي في البلاد.

يقول موظف القطاع العمومي خالد هامان، وقد التقيناه في أحد الطوابير أمام مصرف الجمهورية، أكبر مصارف ليبيا، “أمضيت ساعتين في الأقل والصف لم يتقدم خطوة إلى الأمام، وعلى رغم كل هذا قد لا نظفر بالسيولة عند دخولنا إلى مكتب الصراف، ولقد مللنا هذا الوضع الذي لا يطاق”.

 

 

وتؤكد عائشة التي تقف بدورها في طابور مخصص للنساء، أن ما ستحصل عليه من المصرف سيذهب إلى سداد ديونها لدى زميلاتها في العمل، وأن راتبها حتى ولو حصلت عليه كاملاً فإنه لن يسد كل ديونها، مضيفة أن الظروف المعيشية صارت أصعب، بخاصة وأن زوجها متقاعد وراتبها ومعاش زوجها لا يكفيان متطلبات أسرتها من مأكل ومشرب ودواء، فضلاً عن أنها لا تتقاضاه بصورة منتظمة.

وتزداد حدة مشكلة غياب السيولة من المصارف لدى التجار وأصحاب المؤسسات، في ظل غياب ثقافة التعامل المالي الإلكتروني والتعامل بالصكوك في ليبيا، ويقول محمد الهادي، وهو صاحب مؤسسة لتجارة المعدات الإلكترونية، إن ثقافة التعامل بالكاش عطلت عمله، فكل مزوديه يطالبونه بالدفع نقداً قبل تزويده بالسلع، فضلاً عن عدم استقرار سعر صرف الدينار الليبي أمام الدولار الذي أصبح نادر الوجود، بخلاف سعره في السوق السوداء، مما عطل عمله وصار يهدد مؤسسته.

ويؤكد الخبير المالي حافظ بن محمد اليازيدي في رد حول سؤالنا عن حدة أزمة ليبيا المالية نتيجة عدم التوافق على تعيين محافظ جديد للمصرف المركزي وتداعياتها، أن هذه الأزمة ستفاقم نقص السيولة في المصارف مما سيؤثر سلباً في حياة المواطنين، وستؤدي إلى تدهور المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية مع تدني القدرة الشرائية 35 في المئة، وارتفاع معدلات التضخم إلى 22 في المئة، وتجاوز سعر صرف الدولار في السوق السوداء حاجز السبعة دنانير، وارتفاع كلف السلع المستوردة نسبة تفوق الـ 30 في المئة.

ويضيف اليازيدي أن الوضع الحالي سيؤدي على الصعيد الاقتصادي الكلي إلى انكماش العرض النقدي 20 في المئة، مما سيؤدي إلى مزيد من شح السيولة داخل السوق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 أما على المستوى الفردي فسيخفض المواطنون إنفاقهم 25 في المئة، وستضطر الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى تقليص نشاطها بنسبة 40 في المئة مما سيزيد معدلات البطالة.

ويرى الخبير المالي أن على الدولة التحرك سريعاً لمواجهة الأزمة عبر تعيين محافظ جديد للمصرف المركزي يتمتع بالكفاءة، وضخ السيولة في النظام المصرفي، وضبط سعر الصرف عبر سياسات نقدية صارمة مع تنفيذ إصلاحات هيكلية لتنويع الاقتصاد وتعزيز القطاع الخاص.

وتشير بيانات مصرف ليبيا المركزي إلى أن صرف الباب الأول للرواتب حتى نهاية يوليو (تموز) الماضي بلغ 36.5 مليار دينار ليبي (7.7 مليار دولار) وهو ما يعادل حوالى 5.21 مليار دينار (1.07 مليار دولار) شهرياً، ويبلغ عدد العاملين في القطاع العام 2.5 مليون موظف، أو ما يشكل 31 في المئة من سكان ليبيا، بينما يبلغ الحد الأدنى للأجور 900 دينار (189.5 دولار).

 يأتي هذا بينما حذرت البعثة الأممية لدى ليبيا في بيان أول من أمس الثلاثاء، من التأثير السلبي للأزمة في الاقتصاد الليبي، بخاصة وأن مصارف دولية أوقفت التعامل مع “المركزي الليبي”.

ودعت البعثة الأطراف كافة إلى الوفاء بالتزاماتها والامتناع من أي قرارات وإجراءات أحادية الجانب، والحرص على تكثيف الجهود للتوصل إلى اتفاق.

وتعيش ليبيا، فضلاً عن الأزمة المالية والاقتصادية، أزمة سياسية خانقة وصراعاً على السلطة بين حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دولياً برئاسة عبدالحميد الدبيبة، وحكومة أسامة حماد المدعومة من البرلمان.

 

نقلاً عن : اندبندنت عربية